
في 10 حزيران 1916، انطلقت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي، بهدف تحرير الأراضي العربية . جاءت الثورة نتيجة للظروف السياسية والمعيشية الصعبة التي كانت تعيشها الشعوب العربية، إلى جانب التأثيرات المباشرة للضغوط الغربية. حملت الثورة لواء الاستقلال العربي، داعية إلى إقامة دولة عربية موحدة، فكانت بداية التغيير الذي شكل ملامح المنطقة في القرن العشرين.

رصاصة المجد
ما بعد الثورة
انتهت الثورة العربية الكبرى عام 1918، وكان العرب قد حققوا بعض أهدافهم في تحرير أراضيهم ،ولكن سرعان ما تعرضوا لواقع جديد، فقد فُرض الانتداب البريطاني والفرنسي على العديد من الدول العربية بموجب اتفاقيات دولية، هذا الانتداب حدّ من الاستقلال الكامل للدول العربية، مما دفعها إلى مواجهة تحديات جديدة في سعيها لتحقيق السيادة والحرية. تم إعلان استقلال سوريا الكبرى في 8 آذار1920، وجاء هذا الإعلان في سياق رفض العرب للانتداب الفرنسي البريطاني، إلا أن هذا الاستقلال لم يستمر طويلًا، حيث تعرضت سوريا للاحتلال الفرنسي بعد معركة ميسلون في تموز 1920، مما أدى إلى إنهاء حكم الملك فيصل في سوريا.
فجر الإمارة
أدى انهيار الحكومة العربية الفيصلية في سوريا عام 1920 واحتلال فرنسا لها، إلى فراغ سياسي، وظهور حكومات محلية في كل من الكرك والسلط وعجلون، إلا أن أبناء الأردن كانوا موحَّدين حول فكرة الوحدة والاستقلال، مما دفع زعماء الحركة الوطنية في الأردن إلى الالتفاف حول الشريف الحسين بن علي لقيادة الحركة العربية في الأردن وتحرير سوريا من الانتداب الفرنسي، فكلف الشريف نجله الأمير عبد الله بن الحسين بالتوجه إلى الأردن وإقامة حكم وطني يسعى إلى تحقيق الاستقلال والوحدة.

صور متفرقة من الثورة العربية الكبرى

من معان إلى عمان
بداية رحلة التأسيس
توجه الأمير عبد الله بن الحسين إلى الأردن، ووصل إلى مدينة معان في تاريخ 21 تشرين ثاني عام 1920، استقبله أبناء الأردن استقبالًا حافلًا، وعبروا عن آمالهم ببدء عهد جديد من الحرية والاستقلال، والتخلص من الظلم والاستبداد، وأعلن الأمير عبد الله أن هدفه من القدوم إلى الأردن المساهمة بفعالية في محاربة الاستعمار الأجنبي وتحرير البلاد. وحين ودّع سمو الأمير عبد الله أهل معان الذين أحسنوا الضيافة وكانوا أهل الكرم والجود والأصالة، خطب سموه في الجمع كلمة مختصرة، لكنها سامية في معناها، حيث قال سموه:
"إنني الآن مودعكم، وأود ألا أرى بينكم من يتعزى إلى إقليمه الجغرافي، بل أحب أن أرى كلا منكم ينتسب إلى تلك الجزيرة التي نشأنا فيها وخرجنا منها، والبلاد العربية كافة هي بلاد كل عربي."
استمع إلى خطاب الملك عبدالله الأول ابن الحسين. تم تسجيله عن طريق تقنية الذكاء الاصطناعي

بدأ زعماء الحركة الوطنية في الأردن يستعدون لاستقبال الأمير في عمان التي وصلها في تاريخ 2 آذار 1921. وعند وصله ألقى خطابًا في أهلها الذين استقبلوه بحفاوة مرحبين مهللين:
"ترحيبكم بنا واجتماعكم علينا أمر لا يستغرب، فأنتم لنا ونحن لكم وإنني لم أغفل كلمة مما جاء به خطباؤكم، فوطنيتكم أمر لا يخفى، وضالتكم المنشودة هي حقكم الذي تطلبون، وإذا جاء الوقت لاستعمال ما تستعمله الأمم من القوة ووجدنا أنفسنا ضعفاء في العدد والعدة، فلن يضيرنا أن نموت في سبيل شرف الوطن والأمة، فأنا لا أريد منكم إلا السمع والطاعة، وما جاء بي إلا حميتي وما تحمّله والدي من العبء الثقيل، ولو كان لي سبعون نفسًا بذلتها في سبيل الأمة لما عددت نفسي أني فعلت شيئا."

المفاوضات الحاسمة
بداية رحلة التأسيس
نتيجةً للجهود التي بذلها الأمير عبد الله بن الحسين في خدمة القضايا العربية، أعلنت بريطانيا استعدادها لبحث هذه القضايا، وبناء على ذلك كان لقاء الأمير عبد الله بن الحسين بعد سلسلة من الاتصالات مع وزير المستعمرات البريطانية ونستون تشرشل، والمندوب البريطاني.

المفاوضات الحاسمة وتأسيس إمارة شرقي الأردن
جرت المفاوضات في القدس في تاريخ 29 آذار 1921، وخاض الأمير عبد الله بن الحسين مفاوضات شاقة في ظل قرارات واتفاقيات مسبقة هدفت إلى تمزيق البلاد العربية، إضافة إلى خطورة ما جاء في صك الانتداب الصادر عن عصبة الأمم، الذي ينص على شمول أرض الأردن ضمن الوعود التي ستنفذ على حساب البلاد العربية.
بخبرته السياسية وحنكته، استطاع الأمير عبد الله انتزاع اعتراف بريطانيا بالبلاد الواقعة إلى الشرق من نهر الأردن بصفتها أرضا عربية مستقلة، فأسس إمارة شرقي الأردن، وشرع بتشكيل أول حكومة أردنية برئاسة رشيد طليع في تاريخ 11 نيسان 1921.

استقلال المجد والفخر والعز:
إعلان الاستقلال
تتويجا لجهود سمو الأمير عبد الله بن الحسين ونضاله المستمر، وتطلع الأردنيين لنيل الاستقلال، فقد توجه سموه إلى بريطانيا يرافقه رئيس الوزراء إبراهيم هاشم من أجل استكمال إجراءات استقلال الأردن وإنهاء الانتداب البريطاني، وتأكيد أن شرقي الأردن دولة مستقلة ذات سيادة. وعقد المجلس التشريعي الأردني جلسة خاصة قدم فيها قرار مجلس الوزراء، والمجالس البلدية المتضمن رغبة البلاد في الاستقلال.
وتم نشر القرار في الجريدة الرسمية عدد 861 في تاريخ 25 أيار 1946:
استنادا إلى حقوق البلاد الشرعية والطبيعية، وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية، وبناءً على ما اقترحه مجلس الوزراء في قراره في تاريخ 15 أيار 1946م، فقد بحث المجلس التشريعي النائب عن الشعب الأردني أمر إعلان استقلال البلاد الأردنية استقلالاً تاما على أساس النظام الملكي النيابي الوراثي، مع البيعة لسيد البلاد، ومؤسس كيانها (عبد الله بن الحسين المعظم) ملكا عليها.
وترتب على ذلك تعديل دستور عام 1928م (القانون الأساسي)، إذ عقد المجلس التشريعي الأردني الخامس جلسة استثنائية في تاريخ 22 أيار 1946م، أقرّ بها جملة من التعديلات الدستورية، من أهمها:
- تحل عبارة المملكة الأردنية الهاشمية محل عبارة إمارة شرقي الأردن حيثما وردت.
- تحل عبارة جلالة الملك محل عبارة سمو الأمير.
- إقرار نظام الحكم ملكي نيابي وراثي.
- الملك هو الذي يعلن الحرب ويعقد المعاهدات والاتفاقيات.
- المملكة الأردنية الهاشمية دولة مستقلة ذات سيادة وهي حرة مستقلة مُلكها لا يتجزأ.
`
وبمقتضى الاختصاصات الدستورية قرر المجلس التشريعي الأردني ما يأتي:
- إعلان البلاد الأردنية دولة مستقلة استقلالا تاما، وذات حكومة ملكية نيابية وراثية.
- البيعة بالمُلك لسيد البلاد، ومؤسس كيانها بوصفه ملكًا دستوريا على رأس الدولة الأردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة ملك المملكة الأردنية الهاشمية.
عندما رُفع هذا القرار إلى الملك عبد الله الأول وشّحه بالعبارة الآتية:
"متكلا على الله تعالى أوافق على هذا القرار، شاكرا لشعبي، واثقا بحكومتي."
صور متفرقة من احتفالات استقلال المملك الأردنية الهاشمية
في 25 أيار 1946م أُعلن استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، وأصبح اليوم الرّسمي للاحتفال بمناسبة الاستقلال في كل عام، وألقى جلالة المغفور له الملك عبد الله بن الحسين بهذه المناسبة خطابا أكّد فيه قواعد الحكم السياسي.

استمع إلى جزء من خطاب الملك عبدالله الأول ابن الحسين تم تسجيله في يوم الاستقلال علم 1946
"إنّه لَمِن نِعَم الله أن يدركَ الشعب بأنّ التاجَ معقدُ رجائه ورمزُ كيانه ومظهرُ ضميره ووحدةُ شعوره، بل إنه لَأمر الله ووصية رسُلِه الكرام أن يطالع الملكُ الشعبَ بالعدل وخشية الله، لأنّ العدلَ أساسُ الملك ورأس الحكمة مخافةُ الله. وإننا في مواجهة أعباء ملْكنا وتعاليم شرعنا وميراث أسلافنا، لمثابرون على خدمة شعبنا، والتمكين لبلادنا، والتعاون مع إخواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعا ومجد الإنسانية كلها."